- - - I S L A M G I R L S . C O M - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا } ( 58 ) سورة النساء يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ يَأْمُرُ بِأَدَاءِ الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ، وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ ، عَنْ سَمُرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ [ ص: 339 ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَدِّ الْأَمَانَةِ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ " . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ وَهَذَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَمَانَاتِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ ، مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، عَلَى عِبَادِهِ ، مِنَ الصَّلَوَاتِ وَالزَّكَوَاتِ ، وَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَالصِّيَامِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، مِمَّا هُوَ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْعِبَادُ ، وَمِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ كَالْوَدَائِعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتَمِنُونَ بِهِ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ اطِّلَاعِ بَيِّنَةٍ عَلَى ذَلِكَ . فَأَمَرَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، بِأَدَائِهَا ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا أُخِذَ مِنْهُ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَتُؤَدَّنَّ الْحُقُوقُ إِلَى أَهْلِهَا ، حَتَّى يُقْتَصَّ لِلشَّاةِ الْجَمَّاءِ مِنَ الْقَرْنَاءِ " . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ زَاذَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : إِنَّ الشَّهَادَةَ تُكَفِّرُ كُلَّ ذَنْبٍ إِلَّا الْأَمَانَةَ ، يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ - وَإِنْ كَانَ قَدْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - فَيُقَالُ : أَدِّ أَمَانَتَكَ . فَيَقُولُ وَأَنَّى أُؤَدِّيهَا وَقَدْ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا ؟ فَتُمَثَّلُ لَهُ الْأَمَانَةُ فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ ، فَيَهْوِي إِلَيْهَا فَيَحْمِلُهَا عَلَى عَاتِقِهِ . قَالَ : فَتَنْزِلُ عَنْ عَاتِقِهِ ، فَيَهْوِي عَلَى أَثَرِهَا أَبَدَ الْآبِدِينَ . قَالَ زَاذَانُ : فَأَتَيْتُ الْبَرَاءَ فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ : صَدَقَ أَخِي : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) . وَقَالَ : سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ رَجُلٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) قَالَ : هِيَ مُبْهَمَةٌ لِلْبَرِّ وَالْفَاجِرِ . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ : هِيَ مُسَجَّلَةٌ لِلْبَرِّ وَالْفَاجِرِ . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ : الْأَمَانَةُ مَا أُمِرُوا بِهِ وَنُهُوا عَنْهُ . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي الضُّحَى ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ : قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ : مِنَ الْأَمَانَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ ائْتُمِنَتْ عَلَى فَرْجِهَا . وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ : هِيَ مِنَ الْأَمَانَاتِ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ النَّاسِ . البقية تجدونها بالمصدر المصدر
قال تعالى {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } ( 134)آل عمران ذَكَرَ تَعَالَى صَفَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَقَالَ : ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ) أَيْ : فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ ، وَالصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ ، وَفِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ ، كَمَا قَالَ : ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ) [ الْبَقَرَةِ : 274 ] . وَالْمَعْنَى : أَنَّهُمْ لَا يَشْغَلُهُمْ أَمْرٌ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِنْفَاقِ فِي مَرَاضِيهِ ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى خَلْقِهِ مِنْ قَرَابَاتِهِمْ وَغَيْرِهِمْ بِأَنْوَاعِ الْبِرِّ . وَقَوْلُهُ : ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) أَيْ : إِذَا ثَارَ بِهِمُ الْغَيْظُ كَظَمُوهُ ، بِمَعْنَى : كَتَمُوهُ فَلَمْ يَعْمَلُوهُ ، وَعَفَوْا مَعَ ذَلِكَ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْهِمْ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ : " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : ابْنَ آدَمَ ، اذْكُرْنِي إِذَا غَضِبْتَ ، أَذْكُرُكَ إِذَا غَضِبْتُ ، فَلَا أُهْلِكُكَ فِيمَنْ أُهْلِكُ " رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ . وَقَدْ قَالَ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ : حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الزَّمِنُ ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ شُعَيْبٍ الضَّرِيرُ أَبُو الْفَضْلِ ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْنُمَيْرِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ كَفَّ غَضَبَهُ كَفَّ اللَّهُ عَنْهُ عَذَابَهُ ، وَمَنْ خَزَنَ لِسَانَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنِ اعْتَذَرَ إِلَى اللَّهِ قَبِلَ عُذْرَهُ " [ وَ ] هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ ، وَفِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ ، وَلَكِنَّ الشَّدِيدَ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ " . وَقَدْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ . البقية تجدونها في المصدر المصدر قال تعالى { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } الحشر / 9 وَقَوْلُهُ : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) يَعْنِي : حَاجَةً ، أَيْ : يُقَدِّمُونَ الْمَحَاوِيجَ عَلَى حَاجَةِ أَنْفُسِهِمْ ، وَيَبْدَءُونَ بِالنَّاسِ قَبَلَهُمْ فِي حَالِ احْتِيَاجِهِمْ إِلَى ذَلِكَ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : " أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ جَهْدُ الْمُقِلِّ " . وَهَذَا الْمَقَامُ [ ص: 71 ] أَعْلَى مِنْ حَالِ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّهُ بِقَوْلِهِ : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ ) [ الْإِنْسَانِ : 8 ] . وَقَوْلُهُ : ( وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ) [ الْبَقَرَةِ : 177 ] . البقية تجدونها بالمصدر المصدر قال تعالى {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} الإسراء / 34. وَقَوْلُهُ [ تَعَالَى : ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ) أَيِ الَّذِي تُعَاهِدُونَ عَلَيْهِ النَّاسَ وَالْعُقُودَ الَّتِي تُعَامِلُونَهُمْ بِهَا فَإِنَّ الْعَهْدَ وَالْعَقْدَ كُلٌّ مِنْهُمَا يُسْأَلُ صَاحِبُهُ عَنْهُ ( إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ) أَيْ عَنْهُ المصدر قال تعالى { وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ} البقرة / 177. وَقَوْلُهُ : ( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ) كَقَوْلِهِ : ( الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ ) [ الرَّعْدِ : 20 ] وَعَكْسُ هَذِهِ الصِّفَةِ النِّفَاقُ ، كَمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ : " آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ " . وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ : " إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ " المصدر
قال تعالى : {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } آل عمران / 134 ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى صَفَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَقَالَ : ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ) أَيْ : فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ ، وَالصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ ، وَفِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ ، كَمَا قَالَ : ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ) [ الْبَقَرَةِ : 274 ] . وَالْمَعْنَى : أَنَّهُمْ لَا يَشْغَلُهُمْ أَمْرٌ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِنْفَاقِ فِي مَرَاضِيهِ ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى خَلْقِهِ مِنْ قَرَابَاتِهِمْ وَغَيْرِهِمْ بِأَنْوَاعِ الْبِرِّ . وَقَوْلُهُ : ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) أَيْ : إِذَا ثَارَ بِهِمُ الْغَيْظُ كَظَمُوهُ ، بِمَعْنَى : كَتَمُوهُ فَلَمْ يَعْمَلُوهُ ، وَعَفَوْا مَعَ ذَلِكَ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْهِمْ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ : " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : ابْنَ آدَمَ ، اذْكُرْنِي إِذَا غَضِبْتَ ، أَذْكُرُكَ إِذَا غَضِبْتُ ، فَلَا أُهْلِكُكَ فِيمَنْ أُهْلِكُ " رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ . وَقَدْ قَالَ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ : حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الزَّمِنُ ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ شُعَيْبٍ الضَّرِيرُ أَبُو الْفَضْلِ ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْنُمَيْرِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ كَفَّ غَضَبَهُ كَفَّ اللَّهُ عَنْهُ عَذَابَهُ ، وَمَنْ خَزَنَ لِسَانَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنِ اعْتَذَرَ إِلَى اللَّهِ قَبِلَ عُذْرَهُ " [ وَ ] هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ ، وَفِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ ، وَلَكِنَّ الشَّدِيدَ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ " . وَقَدْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ ؟ " قَالَ : قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِ وَارِثِهِ . قَالَ : " اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ ، مَا لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا قَدَّمْتَ ، وَمَالُ وَارِثِكَ مَا أَخَّرْتَ " . قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا تَعُدُّونَ فِيْكُمُ الصُّرَعَةَ ؟ " قُلْنَا : الَّذِي لَا تَصْرَعُهُ الرِّجَالُ ، قَالَ : قَالَ " لَا ، وَلَكِنِ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ " . قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا تَعُدُّونَ فِيْكُمُ الرَّقُوبَ ؟ " قَالَ : قُلْنَا : الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ . قَالَ : " لَا ، وَلَكِنَّ الرَّقُوبَ الَّذِي لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ وَلَدِهِ شَيْئًا " . البقية في المصدر المصدر قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} (135)النساء يَأْمُرُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ، أَيْ بِالْعَدْلِ ، فَلَا يَعْدِلُوا عَنْهُ يَمِينًا وَلَا شَمَالًا وَلَا تَأْخُذَهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ ، وَلَا يَصْرِفَهُمْ عَنْهُ صَارِفٌ ، وَأَنْ يَكُونُوا مُتَعَاوِنِينَ مُتَسَاعِدِينَ مُتَعَاضِدِينَ مُتَنَاصِرِينَ فِيهِ . وَقَوْلُهُ : ( شُهَدَاءَ لِلَّهِ ) كَمَا قَالَ ( وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ) أَيْ : لِيَكُنْ أَدَاؤُهَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ، فَحِينَئِذٍ تَكُونُ صَحِيحَةً عَادِلَةً حَقًّا ، خَالِيَةً مِنَ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ وَالْكِتْمَانِ ; وَلِهَذَا قَالَ : ( وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ) أَيْ : اشْهَدِ الْحَقَّ وَلَوْ عَادَ ضَرَرُهَا عَلَيْكَ وَإِذَا سُئِلْتَ عَنِ الْأَمْرِ فَقُلِ الْحَقَّ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ مَضَرَّةً عَلَيْكَ ، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ لِمَنْ أَطَاعَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا مَنْ كُلِّ أَمْرٍ يَضِيقُ عَلَيْهِ . وَقَوْلُهُ : ( أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) أَيْ : وَإِنْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ عَلَى وَالِدَيْكَ وَقَرَابَتِكَ ، فَلَا تُرَاعِهِمْ فِيهَا ، بَلِ اشْهَدْ بِالْحَقِّ وَإِنَّ عَادَ ضَرَرُهَا عَلَيْهِمْ ، فَإِنَّ الْحَقَّ حَاكِمٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ . البقية في المصدر المصدر
قال تعالى {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى} النحل / 90. يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ يَأْمُرُ عِبَادَهُ بِالْعَدْلِ ، وَهُوَ الْقِسْطُ وَالْمُوَازَنَةُ ، وَيَنْدِبُ إِلَى الْإِحْسَانِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) [ النَّحْلِ : 126 ] وَقَالَ ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) [ الشُّورَى : 40 ] وَقَالَ ( وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ) [ الْمَائِدَةِ : 45 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى هَذَا مِنْ شَرْعِيَّةِ الْعَدْلِ وَالنَّدْبِ إِلَى الْفَضْلِ . وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ) قَالَ : شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ : الْعَدْلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ : هُوَ اسْتِوَاءُ السَّرِيرَةِ وَالْعَلَانِيَةِ مِنْ كُلِّ عَامِلٍ لِلَّهِ عَمَلًا . وَالْإِحْسَانُ : أَنْ تَكُونَ سَرِيرَتُهُ أَحْسَنَ مِنْ عَلَانِيَتِهِ . وَالْفَحْشَاءُ وَالْمُنْكِرُ : أَنْ تَكُونَ عَلَانِيَتُهُ أَحْسَنَ مِنْ سَرِيرَتِهِ . وَقَوْلُهُ : ( وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ) أَيْ : يَأْمُرُ بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ ، كَمَا قَالَ : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 26 ] . وَقَوْلُهُ : ( وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) فَالْفَوَاحِشُ : الْمُحَرَّمَاتُ . وَالْمُنْكَرَاتُ : مَا ظَهَرَ مِنْهَا مِنْ فَاعِلِهَا ; وَلِهَذَا قِيلَ فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) [ الْأَعْرَافِ : 33 ] . وَأَمَّا الْبَغْيُ فَهُوَ : الْعُدْوَانُ عَلَى النَّاسِ . وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ : " مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ [ ص: 596 ] عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا - مَعَ مَا يَدَّخِرُ لِصَاحِبِهِ فِي الْآخِرَةِ - مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ " . وَقَوْلُهُ ) يَعِظُكُمْ ) أَيْ : يَأْمُرُكُمْ بِمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ ، وَيَنْهَاكُمْ عَمَّا يَنْهَاكُمْ عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ ، ( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) قَالَ الشَّعْبِيُّ ، عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ : سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ : إِنَّ أَجْمَعَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ النَّحْلِ : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ) الْآيَةَ . رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ . وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ : قَوْلُهُ : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ) الْآيَةَ ، لَيْسَ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْمَلُونَ بِهِ وَيَسْتَحْسِنُونَهُ إِلَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ ، وَلَيْسَ مِنْ خُلُقٍ سَيِّئٍ كَانُوا يَتَعَايَرُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَقَدَّمَ فِيهِ . وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ سَفَاسِفِ الْأَخْلَاقِ وَمَذَامِّهَا . البقية في المصدر المصدر قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (8) المائدة وَقَوْلُهُ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ ) أَيْ : كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْحَقِّ لِلَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، لَا لِأَجْلِ النَّاسِ وَالسُّمْعَةِ ، وَكُونُوا ( شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ) أَيْ : بِالْعَدْلِ لَا بِالْجَوْرِ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ قَالَ : نَحَلَنِي أَبِي نَحْلًا فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ : لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَجَاءَهُ لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي فَقَالَ : " أُكَلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ؟ " قَالَ : لَا . قَالَ : " اتَّقُوا اللَّهَ ، وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ " . وَقَالَ : " إِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ " . قَالَ : فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ . وَقَوْلُهُ : ( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ) أَيْ : لَا يَحْمِلْنَكُمْ بُغْضُ قَوْمٍ عَلَى تَرْكِ الْعَدْلِ فِيهِمْ ، بَلِ اسْتَعْمِلُوا الْعَدْلَ فِي كُلِّ أَحَدٍ ، صَدِيقًا كَانَ أَوْ عَدُوًّا ; وَلِهَذَا قَالَ : ( اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) أَيْ : عَدْلُكُمْ أَقْرَبُ إِلَى التَّقْوَى مِنْ تَرْكِهِ . وَدَلَّ الْفِعْلُ عَلَى الْمَصْدَرِ الَّذِي عَادَ الضَّمِيرُ عَلَيْهِ ، كَمَا فِي نَظَائِرِهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ : ( وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ ) [ النُّورِ : 28 ] وَقَوْلُهُ : ( هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي لَيْسَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنْهُ شَيْءٌ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ [ تَعَالَى ] ( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ) [ الْفُرْقَانِ : 24 ] وَكَقَوْلِ بَعْضِ الصَّحَابِيَّاتِ لِعُمَرَ : أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : ( وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) أَيْ : وَسَيَجْزِيكُمْ عَلَى مَا عَلِمَ مِنْ أَفْعَالِكُمُ الَّتِي عَمِلْتُمُوهَا ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ ، وَإِنَّ شَرًّا فَشَرٌّ المصدر
قال تعالى {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} (29) الأعراف وَقَوْلُهُ : ( قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ) أَيْ : بِالْعَدْلِ وَالِاسْتِقَامَةِ ، ( وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) [ ص: 403 ] أَيْ : أَمَرَكُمْ بِالِاسْتِقَامَةِ فِي عِبَادَتِهِ فِي مَحَالِّهَا ، وَهِيَ مُتَابَعَةُ الْمُرْسَلِينَ الْمُؤَيَّدِينَ بِالْمُعْجِزَاتِ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا جَاءُوا بِهِ عَنْهُ مِنَ الشَّرَائِعِ ، وَبِالْإِخْلَاصِ لَهُ فِي عِبَادَتِهِ ، فَإِنَّهُ تَعَالَى لَا يَتَقَبَّلُ الْعَمَلَ حَتَّى يَجْمَعَ هَذَيْنَ الرُّكْنَيْنِ : أَنْ يَكُونَ صَوَابًا مُوَافِقًا لِلشَّرِيعَةِ ، وَأَنْ يَكُونَ خَالِصًا مِنَ الشِّرْكِ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : ( كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ) - اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى ( كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) فَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ : ( كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) يُحْيِيكُمْ بَعْدَ مَوْتِكُمْ . وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : كَمَا بَدَأَكُمْ فِي الدُّنْيَا ، كَذَلِكَ تَعُودُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحْيَاءً . وَقَالَ قَتَادَةُ : ( كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) قَالَ : بَدَأَ فَخَلَقَهُمْ وَلَمْ يَكُونُوا شَيْئًا ، ثُمَّ ذَهَبُوا ، ثُمَّ يُعِيدُهُمْ . وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ : كَمَا بَدَأَكُمْ أَوَّلًا كَذَلِكَ يُعِيدُكُمْ آخِرًا . وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ ، وَأَيَّدَهُ بِمَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَشُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ ، كِلَاهُمَا عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَوْعِظَةٍ فَقَالَ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 104 ] . وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ ، وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ - أَيْضًا - مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ بِهِ . وَقَالَ وِقَاءُ بْنُ إِيَاسٍ أَبُو يَزِيدَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ : ( كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) قَالَ : يُبْعَثُ الْمُسْلِمُ مُسْلِمًا ، وَالْكَافِرُ كَافِرًا . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ : ( كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) رُدُّوا إِلَى عِلْمِهِ فِيهِمْ . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : ( كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) كَمَّا كَتَبَ عَلَيْكُمْ تَكُونُونَ - وَفِي رِوَايَةٍ : كَمَا كُنْتُمْ تَكُونُونَ عَلَيْهِ تَكُونُونَ . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) مَنِ ابْتَدَأَ اللَّهُ خَلْقَهُ عَلَى الشَّقَاوَةِ صَارَ إِلَى مَا ابْتُدِئَ عَلَيْهِ خَلْقُهُ ، وَإِنْ عَمِلَ بِأَعْمَالِ أَهْلِ السَّعَادَةِ ، كَمَا أَنَّ إِبْلِيسَ عَمِلَ بِأَعْمَالِ أَهْلِ السَّعَادَةِ ، ثُمَّ صَارَ إِلَى مَا ابْتُدِئَ عَلَيْهِ خَلْقُهُ . وَمَنِ ابْتُدِئَ خَلْقُهُ عَلَى السَّعَادَةِ ، صَارَ إِلَى مَا ابْتُدِئَ خَلْقُهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ عَمِلَ بِأَعْمَالِ أَهَّلِ الشَّقَاءِ ، كَمَا أَنَّ السَّحَرَةَ عَمِلَتْ بِأَعْمَالِ أَهْلِ الشَّقَاءِ ، ثُمَّ صَارُوا إِلَى مَا ابْتُدِئُوا عَلَيْهِ . المصدر قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}التوبة / 119. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) أَيْ : اصْدُقُوا وَالْزَمُوا الصِّدْقَ تَكُونُوا مَعَ أَهْلِهِ وَتَنْجُوَا مِنَ الْمَهَالِكِ وَيَجْعَلُ لَكُمْ فَرَجًا مِنْ أُمُورِكُمْ ، وَمَخْرَجًا ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ ؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا ، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ ، حَتَّى [ ص: 234 ] يُكْتَبُ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا " . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ . وَقَالَ شُعْبَةُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، سَمِعَ أَبَا عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ : [ إِنَّ ] الْكَذِبَ لَا يَصْلُحُ مِنْهُ جَدٌّ وَلَا هَزْلٌ ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مِنَ الصَّادِقِينَ ) - هَكَذَا قَرَأَهَا - ثُمَّ قَالَ : فَهَلْ تَجِدُونَ لِأَحَدٍ فِيهِ رُخْصَةً . وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : ( اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ . وَقَالَ الضَّحَّاكُ : مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمْرَ وَأَصْحَابِهِمَا . وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ مَعَ الصَّادِقِينَ ، فَعَلَيْكَ بِالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا ، وَالْكَفِّ عَنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ . المصدر
قال تعالى {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}الزمر / 33 ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ) قَالَ مُجَاهِدٌ ، وَقَتَادَةُ ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ ، وَابْنُ زَيْدٍ : ( الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ ) هُوَ الرَّسُولُ . وَقَالَ السُّدِّيُّ : هُوَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ( وَصَدَّقَ بِهِ ) يَعْنِي : مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ ) قَالَ : مَنْ جَاءَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، ( وَصَدَّقَ بِهِ ) يَعْنِي : رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَقَرَأَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ : " الَّذِينَ جَاءُوا بِالصِّدْقِ " يَعْنِي : الْأَنْبِيَاءَ ، " وَصَدَّقُوا بِهِ " يَعْنِي : الْأَتْبَاعَ . وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ : ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ) قَالَ : أَصْحَابُ الْقُرْآنِ الْمُؤْمِنُونَ يَجِيئُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَقُولُونَ : هَذَا مَا أَعْطَيْتُمُونَا ، فَعَمِلْنَا فِيهِ بِمَا أَمَرْتُمُونَا . وَهَذَا الْقَوْلُ عَنْ مُجَاهِدٍ يَشْمَلُ كُلَّ الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَقُولُ الْحَقَّ وَيَعْمَلُ بِهِ ، وَالرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى النَّاسِ بِالدُّخُولِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ ، فَإِنَّهُ جَاءَ بِالصِّدْقِ ، وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ، وَآمَنَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ، كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ . وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ : ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ ) هُوَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( وَصَدَّقَ بِهِ ) الْمُسْلِمُونَ . ( أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : اتَّقَوُا الشِّرْكَ . المصدر قال تعالى { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا}الفرقان / 63 هَذِهِ صِفَاتُ عِبَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ ( الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ) أَيْ : بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ مِنْ غَيْرِ جَبَرِيَّةٍ وَلَا اسْتِكْبَارٍ ، كَمَا قَالَ : ( وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 37 ] . فَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُمْ يَمْشُونَ مِنْ غَيْرِ اسْتِكْبَارٍ وَلَا مَرَحٍ ، وَلَا أَشَرٍ وَلَا بَطَرٍ ، [ ص: 122 ] وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَمْشُونَ كَالْمَرْضَى مِنَ التَّصَانُعِ تَصَنُّعًا وَرِيَاءً ، فَقَدْ كَانَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ ، وَكَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ . وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ السَّلَفِ الْمَشْيَ بِتَضَعُّفٍ وَتَصَنُّعٍ ، حَتَّى رَوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى شَابًّا يَمْشِي رُوَيْدًا ، فَقَالَ : مَا بَالَكَ؟ أَأَنْتَ مَرِيضٌ؟ قَالَ : لَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . فَعَلَاهُ بِالدِّرَّةِ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَمْشِيَ بِقُوَّةٍ . وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْهَوْنِ هَاهُنَا السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ ، وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السِّكِينَةُ ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلَّوْا ، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا " . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُخْتَارِ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي قَوْلِهِ : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ) قَالَ : إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَوْمٌ ذُلُلٌ ، ذَلَّتْ مِنْهُمْ - وَاللَّهِ - الْأَسْمَاعُ وَالْأَبْصَارُ وَالْجَوَارِحُ ، حَتَّى تَحْسَبَهُمْ مَرْضَى وَمَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ ، وَإِنَّهُمْ لَأَصِحَّاءُ ، وَلَكِنَّهُمْ دَخْلَهُمْ مِنَ الْخَوْفِ مَا لَمْ يَدْخُلْ غَيْرَهُمْ ، وَمَنَعَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا عِلْمُهُمْ بِالْآخِرَةِ ، فَقَالُوا : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ . أَمَا وَاللَّهِ مَا أَحْزَنَهُمْ حَزَنُ النَّاسِ ، وَلَا تَعَاظَمَ فِي نُفُوسِهِمْ شَيْءٌ طَلَبُوا بِهِ الْجَنَّةَ ، أَبْكَاهُمُ الْخَوْفُ مِنَ النَّارِ ، وَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَعَزَّ بِعَزَاءِ اللَّهِ تَقَطَّعَ نَفْسُهُ عَلَى الدُّنْيَا حَسَرَاتٍ ، وَمَنْ لَمْ يَرَ لِلَّهِ نِعْمَةً إِلَّا فِي مَطْعَمٍ أَوْ فِي مَشْرَبٍ ، فَقَدْ قَلَّ عِلْمُهُ وَحَضَرَ عَذَابُهُ . المصدر قال تعالى { وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}المدثر / 7. وَقَوْلُهُ : ( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) أَيِ : اجْعَلْ صَبْرَكَ عَلَى أَذَاهُمْ لِوَجْهِ رَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ . وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : اصْبِرْ عَطِيَّتَكَ لِلَّهِ تَعَالَى . المصدر قال تعالى {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ} النحل / 127. وَقَوْلُهُ : ( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ) تَأْكِيدٌ لِلْأَمْرِ بِالصَّبْرِ ، وَإِخْبَارٌ بِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُنَالُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَإِعَانَتِهِ ، وَحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ . المصدر
قال تعالى { لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} آل عمران / 186. وَقَوْلُهُ : ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ) كَقَوْلِهِ ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ) [ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ] ) [ الْبَقَرَةِ : 155 ، 156 ] أَيْ : لَا بُدَّ أَنْ يُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ أَهْلِهِ ، وَيُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ عَلَى قَدْرِ دِينِهِ ، إِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلَابَةٌ زِيدَ فِي الْبَلَاءِ ( وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ) يَقُولُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ مَقْدَمِهِمُ الْمَدِينَةَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ ، مُسَلِّيًا لَهُمْ عَمَّا نَالَهُمْ مِنَ الْأَذَى مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ ، وَآمِرًا لَهُمْ بِالصَّبْرِ وَالصَّفْحِ وَالْعَفْوِ حَتَّى يُفَرِّجَ اللَّهُ ، فَقَالَ : ( وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ : أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ ، وَيَصْبِرُونَ عَلَى الْأَذَى ، قَالَ اللَّهُ : ( وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ) قَالَ : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَأَوَّلُ فِي الْعَفْوِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ ، حَتَّى أَذِنَ اللَّهُ فِيهِمْ . هَكَذَا رَوَاهُ مُخْتَصَرًا ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مُطَوَّلًا فَقَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ ، أَنْبَأَنَا شُعَيْبٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ ، عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَرَاءَهُ ، يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ ، قَالَ : حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ - ابْنُ سَلُولَ ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ، فَإِذَا فِي الْمَجْلِسِ أَخْلَاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ ، عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ وَالْمُسْلِمِينَ ، وَفِي الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ وَقَالَ : " لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا . فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَقَفَ ، فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، [ ص: 180 ] وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ : أَيُّهَا الْمَرْءُ ، إِنَّهُ لَا أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ ، إِنْ كَانَ حَقًّا فَلَا تُؤْذِنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا ، ارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ ، فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ . فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَاغْشَنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ . فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا ، ثُمَّ رَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَابَّتَهُ ، فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا سَعْدُ ، أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ - يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ - قَالَ كَذَا وَكَذَا " . فَقَالَ سَعْدٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ فَوَاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ ، وَلَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ وَيُعَصِّبُوهُ بِالْعِصَابَةِ ، فَلَمَّا أَبَى اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ شَرِقَ بِذَلِكَ ، فَذَلِكَ الَّذِي فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ ، فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ ، كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ ، وَيَصْبِرُونَ عَلَى الْأَذَى ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا [ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ] ) وَقَالَ تَعَالَى : ( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ) الْآيَةَ [ الْبَقَرَةِ : 109 ] ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَأَوَّلُ فِي الْعَفْوِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ ، حَتَّى أَذِنَ اللَّهُ فِيهِمْ ، فَلَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا ، فَقَتَلَ اللَّهُ بِهِ صَنَادِيدَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ - ابْنُ سَلُولَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ : هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ ، فَبَايَعُوا الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَسْلَمُوا . فَكَانَ مَنْ قَامَ بِحَقٍّ ، أَوْ أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُؤْذَى ، فَمَا لَهُ دَوَاءٌ إِلَّا الصَّبْرُ فِي اللَّهِ ، وَالِاسْتِعَانَةُ بِاللَّهِ ، وَالرُّجُوعُ إِلَى اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ . المصدر قال تعالى {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}سورة البقرة / 155 أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ يَبْتَلِي عِبَادَهُ [ الْمُؤْمِنِينَ ] أَيْ : يَخْتَبِرُهُمْ وَيَمْتَحِنُهُمْ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ) [ مُحَمَّدٍ : 31 ] فَتَارَةً بِالسَّرَّاءِ ، وَتَارَةً بِالضَّرَّاءِ مِنْ خَوْفٍ وَجُوعٍ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ ) [ النَّحْلِ : 112 ] فَإِنَّ الْجَائِعَ وَالْخَائِفَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ ; وَلِهَذَا قَالَ : لِبَاسُ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ . وَقَالَ هَاهُنَا ( بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ) أَيْ : بِقَلِيلٍ مِنْ ذَلِكَ ( وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ ) أَيْ : ذَهَابُ بَعْضِهَا ) وَالْأَنْفُسِ ) كَمَوْتِ الْأَصْحَابِ وَالْأَقَارِبِ وَالْأَحْبَابِ ) وَالثَّمَرَاتِ ) أَيْ : لَا تُغِلُّ الْحَدَائِقُ وَالْمَزَارِعُ كَعَادَتِهَا . كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : فَكَانَتْ بَعْضُ النَّخِيلِ لَا تُثْمِرُ غَيْرَ وَاحِدَةٍ . وَكُلُّ هَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا يَخْتَبِرُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ، فَمَنْ صَبَرَ أَثَابَهُ [ اللَّهُ ] وَمَنْ قَنَطَ أَحَلَّ [ اللَّهُ ] بِهِ عِقَابَهُ . وَلِهَذَا قَالَ : ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) وَقَدْ حَكَى بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْخَوْفِ هَاهُنَا : خَوْفُ اللَّهِ ، وَبِالْجُوعِ : صِيَامُ رَمَضَانَ ، وَنَقْصِ الْأَمْوَالِ : الزَّكَاةُ ، وَالْأَنْفُسِ : الْأَمْرَاضُ ، وَالثَّمَرَاتِ : الْأَوْلَادُ . وَفِي هَذَا نَظَرٌ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . المصدر
قال تعالى {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (38) الشورى وَقَوْلُهُ : ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ ) أَيِ : اتَّبَعُوا رُسُلَهُ وَأَطَاعُوا أَمْرَهُ ، وَاجْتَنَبُوا زَجْرَهُ ، ( وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ) وَهِيَ أَعْظَمُ الْعِبَادَاتِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ) أَيْ : لَا يُبْرِمُونَ أَمْرًا حَتَّى يَتَشَاوَرُوا فِيهِ ، لِيَتَسَاعَدُوا بِآرَائِهِمْ فِي مِثْلِ الْحُرُوبِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 159 ] وَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِ [ الصَّلَاةُ ] وَالسَّلَامُ ، يُشَاوِرُهُمْ فِي الْحُرُوبِ وَنَحْوِهَا ، لِيُطَيِّبَ بِذَلِكَ قُلُوبَهُمْ . وَهَكَذَا لَمَّا حَضَرَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ] الْوَفَاةُ حِينَ طُعِنَ ، جَعَلَ الْأَمْرَ بَعْدَهُ شُورَى فِي سِتَّةِ نَفَرٍ ، وَهُمْ : عُثْمَانُ ، وَعَلِيٌّ ، وَطَلْحَةُ ، وَالزُّبَيْرُ ، وَسَعْدٌ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُ الصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ عَلَيْهِمْ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، ( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) وَذَلِكَ بِالْإِحْسَانِ إِلَى خَلْقِ اللَّهِ ، الْأَقْرَبِ إِلَيْهِمْ مِنْهُمْ فَالْأَقْرَبِ . المصدر قال تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} القلم ( 4 ) وَقَوْلُهُ : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) قَالَ الْعَوْفِيُّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَيْ : وَإِنَّكَ لَعَلَى دِينٍ عَظِيمٍ ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ . وَكَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ ، وَأَبُو مَالِكٍ ، وَالسُّدِّيُّ ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ ، وَالضَّحَّاكُ ، وَابْنُ زَيْدٍ . وَقَالَ عَطِيَّةُ : لَعَلَى أَدَبٍ عَظِيمٍ . وَقَالَ مَعْمَرٌ ، عَنْ قَتَادَةَ : سُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . قَالَتْ : كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ ، تَقُولُ كَمَا هُوَ فِي الْقُرْآنِ . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ذُكِرَ لَنَا أَنَّ سَعْدَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . فَقَالَتْ : أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَتْ : فَإِنَّ خُلُقَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ الْقُرْآنَ . وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ : أَخْبِرِينِي يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . فَقَالَتْ : أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ . فَقَالَتْ : كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ . هَذَا حَدِيثٌ طَوِيلٌ . وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ ، مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ بِطُولِهِ ، وَسَيَأْتِي فِي سُورَةِ " الْمُزَّمِّلِ " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ ، عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ : كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَسْوَدُ ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَوَادٍ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . فَقَالَتْ : أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ؟ قَالَ : قُلْتُ : حَدِّثِينِي عَنْ ذَاكَ . قَالَتْ : صَنَعْتُ لَهُ طَعَامًا ، وَصَنَعَتْ لَهُ حَفْصَةُ طَعَامًا ، فَقُلْتُ لِجَارِيَتِي : اذْهَبِي فَإِنْ جَاءَتْ هِيَ بِالطَّعَامِ فَوَضَعَتْهُ قَبْلُ فَاطْرَحِي الطَّعَامَ ! قَالَتْ : فَجَاءَتْ بِالطَّعَامِ . قَالَتْ : فَأَلْقَتِ الْجَارِيَةُ ، فَوَقَعَتِ الْقَصْعَةُ فَانْكَسَرَتْ - وَكَانَ نِطْعًا - قَالَتْ : فَجَمَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ [ ص: 189 ] وَقَالَ : " اقْتَضُوا - أَوِ : اقْتَضِي - شَكَّ أَسْوَدُ - ظَرْفًا مَكَانَ ظَرْفِكِ " . قَالَتْ : فَمَا قَالَ شَيْئًا . البقية في المصدر المصدر
سلسلة صفات المؤمنين للشيخ خالد الصقر سلسلة عشرون قاعدة في الأخلاق للشيخ حامد عبدالحميد سلسلة الأخلاق الحسنة للشيخ محمد المنجد سلسلة الأخلاق للشيخ طارق الطواري سلسلة أخلاق المسلم للشيخ محمد ناصر الدين الألباني سلسلة الأخلاق الحميدة للشيخ وجدي غنيم خلق المسلم للشيخ عبدالحميد كشك حسن الخلق للشيخ محمد العوضي حسن الخلق للشيخ عمر عبدالكافي أحسنكم أخلاقا للشيخ نبيل العوضي حسن الخلق للشيخ صلاح المحمود مكارم الأخلاق للشيخ عبدالله الجعيثين أخلاق الكبار للشيخ خالد السبت مقطع مؤثر عن أخلاق الشيخ إبن باز رحمه الله للشيخ عصام العويد مكارم الأخلاق للشيخ نبيل العوضي حسن الخلق للشيخ محمد الشنقيطي أثر الأخلاق في نجاح الداعية للشيخ محمد المنجد حسن الخلق للشيخ وليد إدريس المنيسي كلمة حول حسن الخلق للشيخ محمد عبدالمقصود كلمة حول حُسن الخُلق(الجزء الثاني) للشيخ محمد عبدالمقصود قبسات من أخلاق الرسول ، للشيخ عائض القرني حسن الخلق للشيخ وليد إدريس المنيسي حسن الخلق للشيخ عبد الرحمن السديس محاضرة حسن الخلق للشيخ محمد العريفي أخلاق الكبار للشيخ خالد السبت محاضرة للشيخ محمد حسان بعنوان أزمة أخلاق الأمة مكارم الأخلاق للشيخ خالد الراشد خزائن الأخلاق : نبيل العوضي الأخلاق المحمدية : طارق الطواري أخلاق المسلم : محمود المصري