●●
تَأخُذنـِي هذِه الفَراشة الصّغيرَة التِّي تَرفُـض الطّيرَان إلَّا فِـي عينَاي ..
إلَـى عَوالـِم لَم أكُن لـأكتَشفهَا إلاَّ فـِي ابتِسامَتها الجّميلَـة ..
وَ هيَّ علَـى الرَّغم مـِن شَغبها قَبلَ النّوم إلاَّ أننِّي أُحبُ أنْ لَا تَنام قَبلَ أنْ أرْوِي لهَا قِصصاً خَيالية ..
مِن القصَص التِّي يُحب سَماعهَا الأطفَال فـِي مثلِ هذِه السّاعة ..
أسْترجـِع مَعها طُفولتـِي أنَا الآخــر ..
حتّى أن هذِه الفّترة مـِن اليَّوم أصْبحت عـِندي منْ أحب الأوْقـات إلَى قلْبـي المُفعمِ بـحُب هذِه الرّيحَـانة الجَـميلة |
●●
أيْنَ أنتَ يـا أبِـي تأخّرت عنْ مـَوعدك اليَّـوم ..
نَـادتنِـي بصَوتها القَـريب إلـَى نَغمات البَلابـل .. فلَـم أتمَالـك نَفسي ، و َتركْت مَـا فِـي يدي و َجئتُ ..
أدْخل إلـَى جنّتي الأرضية المَسائـيَّة المُعتادَة .
●●
● مَـاذا سَتسمعُني هـَذه اللَّيلة يـَا حبيبَ قَـلبِي .. مَـاذا سَتُسمعُ أميـرَتـك ؟
● لاَ زلت صَغيرَة عَلـى لَقب الأميـرَة ! قلت فـِي شَغب مُفتعـل
● تَـجاوزْتُ السَّابعة بفضلِ الله يـَا أبتِي .. وَ علَى كُل أنَـا أمِيرتُك أنت ، وَ لستُ أميرَة أحدٍ منَ الخَلق |
● صَدقتِ يَـا حبيبَة .. أبْشرِي ، سَأقُص علَـى مَسامعِك اللَّيلة قصَّة جّميلَة .. أرْجُو أنْ تـأخُذي مِنهـا عِبرا مُفيدة كَالعادة !
● إنْ شَـاء الرَّحمنُ أبـَتي .. تَوكَّل علَـى الله .
●●
كَـان يـَا مَـا كَان ، فِـي سَالف العَصر وَ الزَّمان .. حَيثُ تجمع اليَّاسمِين وَ العطْر وَ المرْجـَان ، فِـي أَرضٍ بعيـدة تَحت سمَـاء الرّحمن ..أمُّ لهَـا ستّة مـِن البَنات
.. وَ كـان اسْمُها { شَذى الرَّيـآحِين } ، و َكَـانت فِي جَـمال اليَّاسميِـن ..
تَـرى ابتِسَامتها فِـي قَريتـِها .. كَمـا كَـانتْ تَرى الشَّمس .. كَـانتْ تَـخافُ عَلـى أبنَائـِها .
كَـمَا تخَافُ الدَّجاجةُ عَلـى بيضـهَا .. وَ كتَاكيتِهـا وَ تَذُود عَليهنَّ بـكُل مـَا أُوتِيت مـِنْ قُـوَّة ..
وَ اخْتـارتْ لهُم أَسمَـاء جَميلـة .. دَلت عَلـى جَمـال ذَوقِهـا .. البِنتُ البِّكر كـَان اسْمُها { قَـمر } ..
أمَّـا بَقيّة البنَـات فَـ كَـان اسمهُن كَـالتَّالـي :
{ جُورية .. قَمريـن .. نُورهـان .. أمْ يُونـس .. إِيمَـان } .
●●
وَ كَـانت قَـرية هذِه الأُم الجَميلَة تَقـعُ قُـرب غَـابة مَليئـَة بـِالذّئـَاب ..
تَتربّصُ بـِأهـَالي القّرية .. و كَـان كُلمَـا شَرد حَمـل أوْ حَتّى طـفل ، تَخطِفُـه ، وَ تذهَـب بِـه إلـَى أهْلهـا ..
لـ ذَلك كَـانتْ أم { الرَّيـآحِين } تَـخافُ علَـى بُنياتـِها خَـوفاً شَديداً .. إلَـى دَرجة أنّـها كَـانتْ تَـمنعُهم مِـن الخُروج مِن البّيـت ..
وَ رغْم أنَّ الذئـَاب لمْ يَكُـن لأحدٍ طـَاقة بحربِـهم ، فَكانـَت كُلمـا اقْتربـت مِنَ البّيت تَخـرُج .. وَ تضربُـهم بـِالحجَارة التِّي تملأُ أسوَار البيتِ .. حتَّى تَبتـعد ، وَ هكـَذا فِـي كُلِّ مـَرة !
●●
و َمَرّت الأوقَـات ، وَ الأزْمان ، وَ كبُرت بُنيـاتُها ..
وَ كُلما كُن يَتشبعـن شَبابـاً وَ جمـَالـآ ، كَـانت هيَّ تَـزدَادُ ضُعفـاً ، وَ هرماً ، وَ كُهولـة ..
إلَـى أنْ جَـاء اليّوم الـذِّي قَـررتْ فيـه الفَتيـاتُ تَـرك أمِّهن .. وَ الذَّهـاب إلَـى قُرى بَعيـدة ..
للعَيـش وَ الإستقـرَار ..
فَوجـدتْ { شَذى الرَّيـآحِين } نَفسَهـا وَحيـدة فِـي بَيتٍ مُتواضـع ..
وَ مرتْ السنُون وَ الأعـْوام ، اسْتغل الذِّئـاب ضَعفَهـا .. وَ حاصَرُوا بَـيتَها .. وَ جُوعُوها وَ عطشُوها
وَ لكنّهـا رغمَ كُـل شيْء لـَم تَكُن تـرُوم الإسْتسلـآم .. غَير أنَّـها حَـاولت أنْ تُرسـِل رَسـائل اسْتغاثـة إلَـى بُنيـَاتها ..
وَ استَعـانت بِحمامتِهـَا التِّي بَلـغ مِنهـَا الهرمُ أيْضاً مَبلغه ..
وَ كلّفتْهـا بأنْ توصـل رَسائلهَـا إليهنَّ ..
فلَما وَصلـت الحَمامةُ إلَـى { قَمر } ..
وَجَدتَهـا صَادقت ذئبَـة منَ الذّئـاب التِي كـَانت تُهددُ أمَّها .. فَطـارت الحَمامةُ فزعَة .
و ذَهبتْ إلـَى { جُورية } ..
فَوجدتْهـا قُطعت يـَدها .. وَ أيضًا صَـادقت الذّئـَاب !
وَ ذهَبت إلَـى { إيمَـان } ..
فَـلم تَجد إلـَّآ شبحَها ينظُـر إلَيهـَا مِنْ بَعيـد ..
فَرحلت وجلة أيضاً ، أمَّـا قمرَين أصْغر البنـات ، فلَـم تجدْهـا الحَمامةُ فـِي أيِّ مَـكان .
وَأخيراً ذَهبتْ إلـَى { أمْ يُونس } ..
فَـرشقَتهـا بِالحجَارة ، مُحاولَـة قَتلها ..
فَـرجعَت الحَمامَةُ المسكِينَةُ إلَـى { شَذى الرَّيـآحِين } .. وَ أخْبرتـها بِمـا رَأتْ و عَـاينتْ ..
فَحزنَت حُزنـاً شَديداً .. وَ غـالت عَبراتـها ، غَيرَ أنّهـا نَهظتْ .. وَ جمعَت حجَـارة أسْوار بَيتهـا المُتبقّيـة ، وَ طاردَت الذّئـاب .
وَ رغمَ الإصَـاباتْ التّـي كَـانت تُصيبُهـا .. كَـانَ نَسيمُ الصّبـاح كُل صَباحٍ يُعطيهـا أمَلاً جَديداً .
وَ قُدرة جَديدة ، وَ صوتـًا جَديداً أوْصلتْهُ إلَـى بَناتـِها ..
{ أنّ رُغمَ كُل شَيء بنيَـاتِـي أحبكُنّ } ..!
●●
نَظرْتُ إلَـى حَبيبتِـي فَوجدْتُهـا أقْربُ إلـَى النّومِ مِن اليَقظَة .. غَيرَ أنّهَـا غَـالبت النُّعـاس الذِّي امتلَك عَينيهَـا الصّغيرَتين ..
وَ سَالتْنـِي بِـ صَوت خمُول : { لـآ أعرَفُ يـا أبتِـي لِـماذَا تُذكرنـِي قصّتـك بـِف....... ،}
غَير أنّها لـَم تُكمل .. وَ اسْتسلَمت للنَّوم .. و َطبعْتُ علـَى جَبينهَـا قُبلات ثَلاث ..
وَوعدتُهـا .. أنْ لَـن أتَخلّى عَنها حتَّى وَ إن أَعـَادت هيَّ قصَّـة بَناتِ { شَذى الرَّيـآحِين } .
مقـآلـة منْ مقـآلـآتْ .. { زوجـِي } حمـآهُ الله |~