بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة العصر
الشيخ: د/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
[color="blue"]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
color]
بين يدي السورة:
وسورة العصر على قصرها سورة جامعة شاملة -كما تفضل- لخير الدنيا والآخرة للعلم والعمل، للعمل الخاص والعمل المتعدي, وجاء عن الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- أنه لو ما أنزل الله على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم.
وبالإمكان في تفسير هذه السورة أن يتكلم المتحدث عن جميع أبواب الدين؛ لأنها في ألفاظها الوجيزة كل لفظ يدخل تحته أبواب كثيرة من أبواب الدين, وهذه السورة سورة مكية في قول الأكثر، وقال بعضهم إنها مدنية.
هذه السورة جاء عن الصحابة -رضوان الله عليهم- أنهم كانوا إذا التقى أحدهم بالآخر لم يفترقا حتى يقرأ أحدهم أو أحدهما سورة العصر، وجاء فيها من الأخبار مما يذكره المفسرون أن من قرأ سورة العصر كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، هذا وإن تواطأ على ذكره أكثر المفسرين، إلا أنه لا أصل له، يذكرون هذا في تفسير هذه السورة،
ومما يذكر فيها من الأخبار قبل أن ندخل في مفرداتها أن عمرو بن العاص قبل أن يسلم -رضي الله عنه- ذهب إلى مسيلمة فسأله مسيلمة ماذا أنزل على صاحبكم؟ فقرأ عليه سورة العصر، فقال إني أنزل عليَّ مثلها، أنزل عليَّ مثلها، فقال ماذا؟ فقال من ترهاته وسخافاته التي تذكر عنه فيما يعارض به القرآن نسأل الله السلامة والعافية، فقال: يا وبر يا وبر، إنما أنت أذنان وصدر، وسائرك حفز وقفر، قال: ماذا تقول يا عمرو؟ قبل أن يسلم، والعدو يفرح بمثل هذا الكلام الذي يعارض به كلام عدوه، لكن عمراً قال: والله إنك لتعلم أني أعلم أنك كاذب، وهذا قبل أن يسلم عمرو، وأُثر عن مسيلمة من أمثال هذه الأقوال الساقطة التي لا يعارض بها الكلام العادي فضلاً عن أفصح الكلام وأثر أيضاً عن أبي العلاء المعري الزنديق المعروف الشاعر أنه عارض القرآن بكتاب مطبوع متداول، اسمه الآيات البينات في مواعظ البريات، وكان أصله في معارضة الآيات.
والله -جل وعلا- تحدى الخلق، تحدى العرب الذين هم أفصح من نطق أن يأتوا بمثله، ثم تحداهم بعشر سور، فلم يستطيعوا، ثم تحداهم بسورة ولو كانت أقصر السور، كهذه السورة أو سورة الكوثر مثلاً، لكنه لم يقع التحدي بآية، وقع التحدي بسورة، لكنه لم يقع التحدي بآية؛ وذلكم لأن العرب لا يعجز الواحد منهم أن يقول ثم نظر، أو يقول مدهامتان، وهما آيتان، لكن آية بقدر أقصر سورة لا يستطيع العرب ولو اجتمعوا أن يأتوا بمثله، فكيف بمثل هذا الكلام المضحك للصبيان، كيف يقال أن مثل هذا معارضة، أو يؤخذ له شيء في الاعتبار، هذا كله هذيان، أشبه بكلام المجانين الذي لا معنى له، أفترى على الله كذبا أم به جنة، هذا شبه المجنون.
جاء أيضاً في هذه السورة ما ذكره الرازي في تفسيره, وهو أن امرأة تجوب شوارع المدينة وسكَكَها تبحث عن النبي -- فدُلَّت عليه فقالت: يا رسول الله: إنها شربت –تعني الخمر– ثم زنت، ثم ولدت من الزنا، فقتلته، تقول: إنها شربت الخمر، ثم زنت بعد أن شربت، ثم ولدت من الزنا ثم بعد ذلك قتلت هذا الولد، هذه العظائم التي ارتكبتها -والخبر سيأتي الكلام عليه-
يقول الرازي في سياق خبره هذا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لها: أما الخمر ففيه الحد، وأما الزنا فلعلك لم تصل العصر، وأما القتل فالنار،
هكذا قال الرازي في تفسيره, في تفسير هذه السورة، ونقله عنه الألوسي في روح المعاني, وقال تفرد بذكره الإمام – يقصد بذلك الرازي- وإذا أطلق في كتب المتأخرين -لاسيما ممن ينتسب إلى مذهب الشافعي- الإمام فهو المقصود – الرازي- قال تفرد به الإمام،
ثم قال الألوسي: ولعمري إنه إمام, ولعمري إنه إمام في نقل ما لا يعرفه أهل الحديث، فهل هذا مدح أو ذم؟
ذم، ذم شديد، ولهذا الحديث لا أصل له، لا يوجد في داوين الإسلام المعتبرة،
ومثل هذا الخبر إذا بحث عنه في الدواوين المعروفة من الصحاح والسنن والمسانيد والجوامع والمعاجم والمستخرجات -في الداواوين المعروفة عند أهل العلم- فما وجد هذه أمارة وعلامة من علامات وضعه،
وممن قال بهذا الكلام الرازي نفسه، في المحصول قال هذا الكلام، أن الحديث إذا لم يوجد في دواوين الإسلام المعروفة فهذه أمارة وضعه، فلم يوجد هذا الخبر إلا عند الرازي وقد تفرد به وليس من أهل الرواية، فالخبر لا أصل له، وسمعنا كلام الألوسي فيه، فهذه الأمور التي ذكرناها بين يدي تفسير هذه السورة من قول الإمام الشافعي وقبل ذلك صنيع الصحابة إذا اجتمعوا وما جاء في قصة عمرو بن العاص، وما ذكره الرازي يمكن أن تكون هذه مدخل لتفسير هذه السورة.
حول البسملة:
هذه السورة كغيرها من سور القرآن عدا براءة، صُدِّرت بالبسملة، فالبسملة في المصاحف التي أجمع عليها الصحابة وأرسلها عثمان إلى الأمصار فيها البسملة مثبتة في مائة وثلاث عشرة سورة, في جميع سور القرآن عدا براءة والخلاف معروف بين أهل العلم هل البسملة آية من كل سورة؟ أو ليست بآية مطلقاً؟ أو هي آية واحدة نزلت للفصل بين السور؟ فمنهم من يقول أنها آية من كل سورة، يعني أن البسملة مائة وثلاث عشرة آية، بعدد السور التي صدرت بها، مع إجماعهم على أنها بعض آية في سورة النمل، واتفاق أهل العلم على أنها ليست بآية في صدر براءة، هذا القول يستند -
وهو إثبات أن البسملة آية من كل سورة- إلى اتفاق الصحابة على كتابتها, مع اجتهادهم في تخليص القرآن من كل ما ليس بقرآن، فذكرهم واتفاقهم على ذكرها في مائة وثلاث عشرة موضعاً يدل على أنها آية، وبهذا يقول جمع من أهل العلم، والقول الثاني: أنها ليست بآية مطلقاً إلا في سورة النمل، بعض آية, أما في سورة النمل فهذا أمر متفق عليه، وبراءة أيضاً متفق على أنها ليست بآية، فمن أهل العلم من يرى أنها ليست بآية مطلقاً عدا ما استثني وهذا معروف عند المالكية،
ومنهم من يرى أنها آية واحدة نزلت للفصل بين السور وبهذا يقول بعض الحنفية كالجصاص ويميل إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
إذا قلنا أنها آية من كل سورة، أو قلنا إنها آية واحدة نزلت للفصل بين السور، هل هناك فرق، فإذا قرأها الإنسان في تلاوته للقرآن مائة وثلاث عشرة مرة، سواء كانت مائة وثلاث عشر آية أو آية واحدة نزلت في فصل السور، يكررها مائة وثلاث عشرة مرة الأجر واحد، كل حرف بعشر حسنات، سواء كانت آية واحدة، أو مائة وثلاث عشرة آية، هل من فائدة لمثل هذا الخلاف؟ ما فائدة الخلاف؟ نعم.
طالب:..............
لا تختل قراءته للسورة، إذا لم تكن آية، لا تختل قراءته للسورة، إذا لم يقرأها من الفاتحة لم تبطل صلاته، أما لو كانت آية بطلت صلاته، إذا لم يقرأها من الفاتحة.
على كل حال هذه أقوال أهل العلم وكأن الذي مال إليه شيخ الإسلام متجه؛ لأن الأدلة على كونها ليست بآية من كل سورة لها حظ من النظر، ولو لم يكن من الأدلة على ذلك إلا الخلاف في كونها آية؛ لأن القرآن مقطوع بثبوته، ومع وجود مثل هذا الخلاف لا يقطع بثبوت البسملة من كل سورة.
تفسير السورة:
يقول الله -جل وعلا-: {وَالْعَصْرِ}: الواو حرف قسم، والعصر: هو الدهر، وأقسم الله به -جل وعلا- لما يحصل فيه من أعاجيب، فالدهر من أول الدنيا إلى آخرها يقال له العصر،
وقد يطلق العصر ويراد به فترة من الزمن، العصور الإسلامية –مثلاً- العصر النبوي، عصر الخلفاء الراشدين، عصر بني أمية، عصر بني العباس وهكذا، فيراد به فترة من الزمن يشملها وصف واحد، ولذا قال جمع من المفسرين، أن المقسم به هو العصر النبوي، الذي هو أعظم عصور الدنيا،
ومنهم من يقول إن العصر عصر كل إنسان بحسبه؛ لأنه في الحقيقة هو حياته من ولادته إلى وفاته, ولأهمية هذا الوقت الذي وجد فيه هذا الإنسان الذي ينبغي -بل يجب عليه- أن يستغل هذا الوقت بفعل الواجبات وترك المحرمات بتحقيق عبودية الله -جل وعلا-
بل العصر عبارة عن الليالي والأيام المحدودة التي يعيشها كل إنسان بحسبه فهي الخزائن وهي العمر كله، عمر الإنسان كله من ولادته إلى أن يموت، والليالي والنهار -كما يقول أهل العلم- هي عبارة عن خزائن قيمتها بحسب قيمة ما يودع فيها،
ومنهم من قال: إن المراد بالعصر وقت العصر، وقت العصر، الذي هو آخر النهار، ومنهم من يقول يبدأ من زوال الشمس إلى غروبها، ومنهم من يقول أن المراد بالعصر صلاة العصر، جاء في النصوص ما يدل على تعظيم وقت العصر، وجاء فيها أيضاً ما يدل على تعظيم شأن صلاة العصر، وهي الصلاة الوسطى -كما دل على ذلك الحديث الصحيح- هي الصلاة الوسطى، ومن ترك العصر فقد حبط عمله، المقصود أن العصر مختلف فيه بين المفسرين،
والعصر الذي هو الوقت المعروف، من دخول وقته إلى غروب الشمس هذا له شأن وجاء في تعظيمه في النصوص ما جاء، وكذلك صلاة العصر التي هي الوسطى، التي هي الفضلى من بين الصلوات.
والعصر أقسم الله -جل وعلا- بالعصر لما يحدث فيه سواء كان بكامله من أوله إلى آخره، أو بجزء من أجزائه طال أو قصر من الأعاجيب، يحصل فيه من الأعاجيب شيء قد لا يخطر على بال الإنسان، قد يدرك الإنسان شيئاً منه إذا كانت له عناية بقراءة التواريخ وأخبار الأمم الماضية، يدرك شيء من هذه الأعاجيب، وتصرف الأحوال وتصرم الليالي والأيام يدرك شيئاً من ذلك إذا كانت له عناية أو كان له بصيرة ينظر فيها بعين الاعتبار والادكار.
الله -جل وعلا- أقسم بالعصر كما أقسم بالضحى وأقسم بالليل، وأقسم بالفجر، يقسم -جل وعلا- بما شاء يقسم بما شاء، ومن أهل العلم من يقدر مقسم به مضاف إلى العصر محذوف فيقول: ورب العصر، لكن الأكثر على أنه لا يحتاج إلى تقدير، وأن الله -جل وعلا- له أن يقسم بما شاء من خلقه، وبما شاء من آياته يقسم بما شاء ولو كان مخلوقاً، بينما المخلوق ليس له أن يقسم ولا يحلف إلا بالله -جل وعلا- ((من حلف بغير الله فقد أشرك))
فالقسم بغير الله من الشرك، إن كان من الشرك الأصغر عند أهل العلم، إلا إن وقر في قلب الحالف أنه حلف به؛ لأنه مساو لله -جل وعلا- في عظمته فهذا أكبر نسأل الله السلامة والعافية، وإلا فهو من الأصغر الداخل في قول الله -جل وعلا-:{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}[(116) سورة النساء] عند جمع من أهل العلم, وأن الشرك الأصغر كالأكبر لا يغفر بل لا بد أن يعذب بقدره ثم بعد ذلك مآله إلى الجنة إن لم يرتكب مكفراً مخرجاً، أما الشرك الأكبر فإن صاحبه خالد مخلد في النار نسأل الله السلامة والعافية.
الله -جل وعلا- أمر نبيه أن يقسم على البعث في ثلاثة مواضع من كتابه، والقسم إنما يؤتى به لتعظيم الكلام وتأكيده، فالله سبحانه وتعالى- أمر نبيه أن يقسم على البعث في ثلاثة مواضع, الأول في سورة يونس: {وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي}[(53) سورة يونس]
والثاني في الآية الثالثة من سورة سبأ:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي}[(3) سورة سبأ],
والثالث في سورة التغابن: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي}[(7) سورة التغابن] ثلاثة مواضع أمر الله -جل وعلا- نبيه أن يقسم فيها على البعث، وهذا لبيان شأن عظم المقسم عليه،
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كثيراً ما يحلف ويقسم على الأمور المهمة، ((والذي نفسي بيده)) ((لا ومقلب القلوب)) المقصود أنه يحلف -عليه الصلاة والسلام- وهو الصادق المصدوق، والله -جل وعلا- أقسم وأمر نبيه أن يقسم كل هذا لتعظيم شأن المحلوف عليه والاهتمام بشأنه,
فالله -جل وعلا- أقسم بالعصر: {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ}[(2) سورة العصر] هذا المقسم عليه، إن الإنسان لفي خسر، هذا شأنه عظيم وجاء التأكيد بالقسم وإنَّ؛ لأن إنَّ حرف توكيد ونصب، ولفي المؤكدة، لفي خسر، {إِنَّ الْإِنسَانَ}: الإنسان المراد به الجنس؛ بدلالة جواز دخول "كل" مكان (أل) فلو قال إن كل إنسان لفي خسر صح الكلام, وعلامة كون "أل" جنسية أن يحل محلها (كل).
فكل إنسان محكوم عليه بالخسارة إلا من استُثني فكل إنسان يتجه إليه قول الله -جل وعلا-: إن الإنسان لفي خسر، ثم بعد ذلك اسْعَ في خلاص نفسك من هذه الخسارة، وحقق ما بعد (إلا) لتنجو من هذه الخسارة الفادحة التي ليست خسارة الدراهم والدنانير، الخسارة خسارة الآخرة،
ولذلك يقول الله -جل وعلا-: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [(9) سورة التغابن] يعني التغابن الحقيقي هنالك, لا في الدنيا فلو أن إنساناً فقد جميع ما يملك في هذه الدنيا من مال وولد وجاه وصحة وبقي له رأس ماله الذي هو الدين هذا ليس بخسران، لكن لو خسر دينه وبقي جميع ما يملك في هذه الدنيا وأضعاف أضعاف ما كان يملك لفي خسر.
ونشاهد أو شاهدنا بعض الإخوان لما وجدت التجارات التي لا تتطلب جهداً بدنياً، وإنما تتطلب جهد ذهني، مثل الأسهم، كثير من طلاب العلم فقدناهم في الحِلق، فإذا سألنا عنهم قالوا إنهم ذهبوا إلى تجارة الأسهم، وإذا كُلِّموا قالوا المدة يسيرة نشتغل ونحرك فإذا كسبنا وربحنا ما يكفينا رجعنا إلى العلم، يعني على اصطلاحهم العلم ملحوق عليه ما هو بفائت، الإشكال في الأسهم اللي الناس يجنون منها ما يجنون ثم تنتهي، وكانت النتيجة عكسية،
النتيجة عكسية حصل ما حصل من الخسارة ونسوا ما نسوا من العلم، بل منهم من نسي حفظ القرآن، بل منهم من نسي لب صلاته، وهو الخشوع؛ لهثوا وراء هذه الأسهم ووراء هذه الدنيا ثم مع ذلك خسروا الدنيا والآخرة، نسأل الله السلامة والعافية-
منهم من نسي القرآن هذا مؤكد، منهم من صلى ولا يدري كم صلى، وإذا كانت جماعة صلوا في مكان من أماكن الأسهم مجتمعاتهم وصلى بهم الظهر وجهر بالقراءة وأمن ولا واحد سبح، نسأل الله السلامة والعافية، والنتيجة لا شيء، عِبَر، لنعرف الخسارة الحقيقة ألا {إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [(15) سورة الزمر] نسأل الله السلامة والعافية،
أما خسارة الدنيا، فالدنيا عرض يطرأ ويزول وقد يحصل للإنسان ما لا يخطر بباله, ويذكر من بعض أهل القناعة أنهم صاروا سبباً في ربح أهليهم، وإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم،
ومن أهل العلم من له شريك أخ شريك توفي والدهم وترك لهم أموال طائلة، وطالب العلم مقبل على علمه وعبادته وأخوه شريكه يضرب الأرض طولاً وعرضاً في التجارات والأموال تزداد، فقيل له أو سول له الشيطان أن هذا يطلب العلم ولا له أي دور في التجارة، وأنت يوم بالصين ويوم بكذا، ويوم... لو افترقتم وصارت مكاسبك لك، جاء إلى أخيه وقال له أيش رأيك... قال له اللي تشوف الأولاد قال له لعلكم تتفارقوا، الشيخ يتصرف بأمواله، وأنت تتصرف بأموالك وجاءه أيضاً من باب الورع،
وقال: يمكن أني أتصرف في بعض الأموال وأنا ما شاورتك، أو آكل من هذه الأموال أكثر من نصيبي, فقال له الشيخ أبداً اقسم أنت، اقسم واللي لي ضعه على جنب وسلم لي إياه، حصلت القسمة، حصلت القسمة, فأعطى الشيخ نصيبه وأخذ نصيبه وأخذ يضارب به والشيخ أودعه عند واحد من التجار يعمل به مضاربة، وعلى رأس الحول جاء الأخ يقول لأخيه الشيخ أيش رأيك لو رجعنا إلى الشركة؟ قال وأيش اللي عندك؟ قال والله ذهب جميع المال، والله ما بقي إلا شيء .......... قال إحنا على شركتنا شوف الأموال عند فلان روح هاتها, الإنسان يتصور أنه بجهده يرزق، بجهده يرزق وأسواق المسلمين تعج بالعباقرة لكن في النتيجة أكثرهم فقراء يتكففون الناس وبعض الناس ممن عرفناهم وشاهدناهم في أوقات الصفقات ينعسون، الصفقات الكبرى ينعس ثم بعد ذلك يأخذ الغلة كلها هذا الذي ينعس، فليست الأمور تخضع لحذق الإنسان بل عرف من القدم أن حذق الإنسان وزيادة ذكائه نقص في رزقه وشواهد الأحوال تدل على هذا.
الشاهد أن الخسارة، خسارة الدنيا لا شيء بالنسبة لخسارة الدين، أو شيء من الدين.
وكل كسر فإن الدين يجبره
وما لكسر قناة الدين جبران
{إِنَّ الْإِنسَانَ}: الجنس، كل الإنسان محكوم عليه بهذا الحكم إلا من استثني, وإلا أداة تخرج ما بعدها عن الحكم العام الذي قبلها، فمن المخرج من هذه الخسارة؟
من اتصف بالصفات الآتية:
{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[(3) سورة العصر]، أربع صفات لكنها شاملة لجميع خير الدنيا والآخرة.
/
/
/
يتبع..
/
/
/