هذا سؤال لم يصدر من إنسان متضجر أو شخص ضعيف الصلة بالله تعالى وإنما صدر
من الرسول والذين آمنوا معه . من الرسول الموصول بالله ومن المؤمنين الذين وثقوا
بوعد الله ( أم حسِبتُم أن تدخلوا الجنة ولمّا يأتكم مثلُ الذين خلوا من قبلكم مسَّتهم
البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله )
سورة البقرة . فلماذا هذا السؤال إذا ؟!
يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله : إن سؤالهم ( متى نصر الله ) ليصور مدى المحنة التي تزلزل
مثل هذه القلوب فتبعث منها ذلك السؤال ، وعندما تثبت القلوب على مثل هذه المحنة المزلزلة
عندئذ تتم الكلمة ويجيء النصر من الله . إنه مدخر لمن يستحقونه ، ولن يستحقه إلا الذين يثبتون
حتى النهاية . الذين يثبتون على البأساء والضراء الذين يصمدون للزلزلة . الذين لا يحنون
رؤوسهم للعاصفة . الذين يستيقنون أن لا نصر إلا نصر الله ، وعندما يشاء الله ، وحتى حين تبلغ
المحنة ذروتها فهم يتطلعون فحسب إلى ( نصر الله ) لا إلى أي حل آخر . بهذا يدخل المؤمنـون
الـجنة بعد الجـهاد والامتحان والصـبر والثـبات والتجرد للـه وحده وإغفال كل ما سواه
وكل من سواه ا.هـ
إن الصراع بين الحق والباطل قديم منذ أن خلق الأرض ومن عليها ( ولولا دفع الله الناس بعضهم
ببعض لفسدت الأرض ) سورة البقرة . لكن الله تعالى وعـد عباده بالنصر والتمكين في الأرض قال
تعالى ( والعاقبة للمتقين ) سورة الأعراف .وقال ( وإن جندنا لهم الغالبون ) سورة الصافات وقال
عز شأنه ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض .. ) سورة النور .
والسؤال الذي قد يـُطرح بداهة يا أخي المسلم متى يتحقق هذا النصر ؟؟
فنقول إن الإجابة واضحة لمن تأمل كلام الله تعالى فوعد الله حق لا يتخلف ونصر الله مؤكد . لكنا لا
نجد في كتاب الله أبدا أن النصر يُبذل للمؤمنين من غير تضحيات وابتلآت وصبر على الأذى من أجل
الله بل على العكس من ذلك تماماً قال تعالى ( ولقد كُذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كُذبوا
وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ) سورة الأنعام . وقال لابن عباس ( واعلم أن
النصر مع الصبر ) رواه الإمام أحمد .
تريدين لقيان المعالي رخيصة *** ولا بُد دون الشهد من إبر النحل
ووجدنا في كتاب الله تعالى أن الله ينصر من ينصره ( ولينصرنّ الله من ينصره ) سورة الحج .
( إن تنصروا الله ينصركم ويُثبت أقدامكم ) سورة محمد . ونصر الله يكون على مستوى الأفراد بأن
يلتزم المسلم منهج ربه في كل صغيرة وكبيرة في حياته ، وعلى مستوى الأمة بإقامة دين الله في
الأرض وتحكيم شرعه واتباع سنة رسوله قال تعالى ( الذين إن مكناهم في
الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ) سورة الحج . فنصر الله
لا يتحقق إذا رُفعت شعارات جاهلية أو قومية بل لا بد من أن تكون إسلامية ونصر الله لا يتم إذا
عُطل شرعه وكانت الحاكمية لغيره .
فإذا استقرت هذه الحقيقة في الأذهان والقلوب يأتي الجواب الإلهي الصريح
( ألا إن نصـر الله قريب ) .
عامر بن عيسى اللهو