بسم الله الرحمن الرحيم
الإمام الشافعي:
روي أنه كان يقسم الليل ثلاثة أجزاء:
ثلثا للعلم , و ثلثا للعبادة , و ثلثا للنوم
قال الربيع : كان الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين مرة , كل ذلك في الصلاة
زهده :
قال رضي الله عنه : ما شبعت منذ ست عشرة سنة , لأنه الشبع يثقل البدن , و يقسي القلب , و يزيل الفطنة , و يجلب النوم , و يضعف البدن , و يضعف صاحبه عن العبادة.
و قال رحمه الله : من أدعي أنه جمع بين حب الدنيا و حب خالقة في قلبه فقد أعظم الفرية على الله .
سخاؤه : حكي أنه قدم ( مكة المكرمة ) بعشرة آلاف دينار . فضرب خباءه في موضوع خارج مكة , و نثرها على ثوب له , ثم أقبل على كل من دخل عليه : يقبض له قبضه و يعطيه , حتى إذا صلى الظهر , و نفض الثوب , و ليس عليه شيء , و أنشد قائلا :
يا لهف قلبي على مال أجود به ** على المقلين من أهل المروءات
إن عندي اعتذاري إلى من جاء يسألني ** ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات
ورعه : سئل الشافعي رضي الله عنه عن مسألة فسكت فقيل له : ألا تجيب رحمك الله ؟
فقال : حتى أدري : الفضل في سكوتي , أو في جوابي ؟
و قال أحمد بن يحيى بن الوزير : خرج الشافعي رحمه الله تعالى يوما من سوق القناديل , فتبعناه , فإذا رجل يسفه على رجل من أهل العلم فألتفت الشافعي إلينا و قال :
نزهوا أسماعكم عن استماع الخنا , كما تنزهون ألسنتكم عن النطق به ! فإن المستمع شريك القائل و إن السفيه لينظر إلى أخبث شيء في إنائه , فيحرص أن يفرغه في أوعيتكم , و لو ردت كلمة السفيه , لسعد رادها , كما شقي بها قائلها !
خوفه : روي أن سفيان بن عيينة حدث في الرقائق , و الشافعي جالس , فلما سمع الحديث غشي عليه , فقيل لسفيان : قد مات الشافعي ! فقال : إن مات فقد مات أفضل زمانه .
و سمع مرة من الحارث من لبيد في مكة المكرمة على الصفا يقرأ قوله تعالى :
{هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ(36) }المرسلات
و كان حسن الصوت , فتغيره لونه و اقشعر جلده , واضطرب اضطرابا شديدا , و خر مغشيا عليه , فلما أفاق جعل يقول :
أعوذ بالله من مقام الكاذبين , و إعراض الغافلين . اللهم لك خضعت قلوب العارفين , و ذلت لك رقاب المشتاقين , إلهي ! هب لي جودك و جللني بسترك و اعف عن تقصيري بكرم وجهك !
حكي أنه وقع سوطه من يده مرة , فرفعه إنسان إليه , فأعطاه جزاء عليه خمسين دينار ,
إرادته بعلمه وجه الله تعالى : روي أنه قال : وددت أن الناس انتفعوا بهذا العلم , وما نسب إلي شيء منه ,
و قال رحمه الله تعالى : ما كلمت أحد قط إلا أحببت أن يوفق و يسدده الإيمان و يعان و يكون عليه رعاية من الله و حفظ.
و قال : ما ناظرت أحد قط فأحببت أن يخطئ .
شهادة أهل الفضل له : قال أبو ثور : ما رأيت ولا أرى الراؤون مثل الشافعي رحمه الله , و قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه : ما صليت صلاة منذ أربعين سنة : إلا و أنا أدعو للشافعي و لكثرة دعائه له قال له ابنه : أي رجل كان الشافعي , حتى تدعو له هذا الدعاء ؟
فقال أحمد : يا بني ! كان الشافعي رحمه الله تعالى كالشمس للدنيا و كالعافية للناس و قال أيضا : ما مس أحد بيده محبرة إلا و الشافعي فيه منه .
و عظه و إرشاده : حكي ان شابا قال له : علمني مما علمك الله ! فقال رضي الله عنه اعلم أن من صدق الله نجا , ومن أشفق عليه دينه سلم من الردى , ومن زهد في الدنيا قرت عيناه مما يراه من ثواب الله تعالى غدا , أفلا أزيدك قلت : نعم !
قال : من كان فيه ثلاث خصال فقد استكمل الإيمان :
1- من أمر بالمعروف و ائتمر .
2- و نهى عن المنكر و انتهى .
3- وحافظ على حدود الله تعالى.
آلا أزيدك ؟
قلت : بلى :!
فقال : كن في الدنيا زاهدا و في الآخرة راغبا ., و اصدق الله تعالى في جميع أمورك , تنج مع الناجين ,
و قال رضي الله عنه : من لم يصن نفسه لم ينفعه علمه !
و قال رضي الله تعالى عنه : ما من أحد إلا و له محب و مبغض فإن كان كذلك فكن مع أهل طاعة الله عز و جل .
و قيل للشافعي رحمه الله تعالى : متى يكون الرجل عالما ؟
فقال : إذا تحقق في علم فعلمه , و تعرض لسائر العلوم فنظر فيما فاته . فعند ذلك يكون عالما .
و قال رضي الله عنه : إذا خفت على عملك العجب فأنظر رضا من تطلب ؟ و في أي ثواب ترغب ؟ ومن أي عقاب ترهب , و أي عافية تشكر ؟ و أي بلاء تذكر ؟
فإنك إذا تفكرت في واحدة من هذه الخصال , صغر في عي*** عملك .
حاله عند موته : حكي أن الإمام المزني , دخل علي الشافعي في مرضه الذي مات فيه , فقال كيف أصبحت يا أبا عبد الله . فأجابه قائلا:
أصبحت من الدنيا راحلا , و للإخوان مفارقا , و لسيء عملي ملاقيا و لكأس المنية شاربا , و على ربي تبارك و تعالى واردا , لا أدري : تصير روحي إلى الجنة فأهنيها , أم إلى النار فأعزيها : ثم أنشد قائلا :
ولما قسا قلبي و ضاقت مذاهبي ** جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته ** بعفوك ربي كان عفوك أعظما
وما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل ** تجود و تعفو منه تكرما